حُسن الظن.. راحة لا يعرفها إلا من جَرّبها
✍️ ناصرمضحي الحربي :
تقول المقولة: “إن لم تعرفني فأكرمني بحسن ظنك، فحُسن الظن راحة لا يعرفها إلا من جربها.”
هي كلمات قليلة، لكنها تختصر فلسفة راقية في التعامل الإنساني، وتحمل في طيّاتها دعوة صادقة لبناء مجتمع يسوده التفاهم، وتغلب عليه الطمأنينة، ويَسكنه الشعور بالأمان الاجتماعي والنفسي.
إن حُسن الظن ليس فقط سلوكًا أخلاقيًا يُثاب عليه الإنسان، بل هو أيضًا نمط تفكير، وطريقة في النظر إلى الحياة والناس، وهو ما ينعكس مباشرة على راحة القلب وسلامة الصدر. ففي الوقت الذي قد يقع فيه كثيرون في فخ الأحكام المسبقة، ويسيئون التفسير دون تمعن أو تثبّت، يختار صاحب حسن الظن أن يُرجّح الجانب الحَسَن، وأن يلتقط الأعذار قبل أن يلتقط الأخطاء.
المجتمعات التي يسودها حسن الظن، تنعم بأواصر أقوى، وثقة أمتن، ومشاعر أنقى. بينما تتهالك المجتمعات التي يغلب فيها الظن السيئ، حيث يشيع التوتر، وتضعف العلاقات، ويغيب الصفاء.
ولا يعني حسن الظن أن نغفل عن الخطأ أو نغض الطرف عن الحقيقة، بل هو دعوة للتمهّل قبل إصدار الأحكام، وإيثار النُبل في الظن على التسرّع في التقييم. هو تفضيلٌ للسلامة النفسية على حمل الأوهام والشكوك، وتقديمٌ لحسن النية على سوء التفسير.
وقد أحسن من قال: “من راقب الناس مات همًّا، ومن أحسن الظن عاش هنيئًا.”
فمن جرب حسن الظن، أدرك أنه ليس ضعفًا بل قوة، وليس سذاجة بل بصيرة، وأن راحته لا تُدرك إلا لمن عاشها بصدق، وطبّقها بتجرد، وجعلها مبدأ لا ردّ فعل.
ختامًا، فإننا بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن نُكرم بعضنا بحسن الظن، لا سيما حين نجهل التفاصيل، أو نُفاجأ بالسلوك. لنجعل من حسن الظن قاعدة، لا استثناء. ولنعش بقلوب نظيفة، تُحسن الظن، فيطيب العُمر وتصفو الحياة